أحلام

تقبيل الميت في المنام

Advertisement

تقبيل الميت في المنام: مقدمة

أيها القارئ العزيز وأيتها القارئة العزيزة، حين تتأملين أو تتأمل في ما يمرّ عليك من رؤى أثناء النوم، قد تتساءلين أحيانًا عن دلالات رؤية تقبيل الميت في المنام. ولعل هذا المشهد تحديدًا يترك تساؤلات عديدة في النفس، وقد يرتبط بالحنين أو بالرغبة في الاطمئنان على حال الأحبة الذين رحلوا عن هذه الدنيا. وفي الوقت ذاته، قد يشير إلى معانٍ أعمق تتصل بالعلاقة بين عالم الأحياء وعالم الأموات، وما يمكن أن يحمله هذا المشهد من إشارات تتفاوت وفقًا لتفاصيل الحلم وشخصية الرائي وعلاقته بالميت.

إن عالم الأحلام في الإسلام يرتبط بعقيدة راسخة مفادها أنّ الغيب لا يعلمه إلا الله -تعالى-. وعليه، فإن التأمل في الرؤى يظل بابًا اجتهاديًا يقوم على التأويل والاستئناس بتجارب المعبرين من أهل العلم الموثوقين، مثل ابن سيرين وابن شاهين وابن غنام وغيرهم. وقد صُنِّفت كتبهم بوصفها مراجع يستأنس بها، لا حقائق مطلقة. ولأجل ذلك، يُستحبّ لك ألا تستسلم أو تستسلمي للقلق والاضطراب بسبب أي رؤية، بل تأخذينها أو تأخذها من باب التفكر والتأمل، مع تذكّر أنّ الله وحده هو العليم بحقائق الأمور.

فيما يخص تقبيل الميت في المنام، تختلف تفسيرات أهل العلم في بيان رموزه ودلالاته. فقد يُعبّر عن منفعة يحصّلها الحي من أثر الميت المادي أو المعنوي، وقد يكون رمزًا للوصال الروحي والاشتياق أو الرحمة تجاه من سبق إلى الدار الآخرة. كما يمكن أن يتعلق الأمر بطول عمر الحي أو بأن الحالم قد يحرز علمًا نافعًا أو مالًا قد خلّفه الميت. غير أنّ كلّ هذه التفاسير تظل ظنيّة وليست يقينية، ويستند بعضها إلى تجارب عملية أو أحاديث منسوبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في فهم الرموز.

في الأسطر القادمة، ستطلعين ويطلع قارئنا الكريم على ما قاله كبار المعبرين حول تقبيل الميت في المنام، وكيفية التمييز بين الرؤيا الخيرة والرؤيا المزعجة. وسوف نبيّن المعنى المحتمل لهذا المشهد عند ابن سيرين وابن شاهين وابن غنام، إضافة إلى إضاءة على أقوال النابلسي في المسألة. ونعرض أيضًا لجوانب أخرى قد تهمّك حول رؤية معانقة الميت وتفسيراتها. والغاية من ذلك ليست القطع بتأويل واحد دون غيره، بل تشجيعك على التأمل واستحضار علاقتك بالميت في الواقع واحتياجاتك الروحية والمعنوية، مع التذكير بضرورة الاستعاذة بالله من شر الأحلام السيئة والمكروهة.

ولأننا نُخاطبك أنت القارئ والقارئة معًا، فإننا نسعى لتقديم أقصى درجات الاحترام لعقول الجميع، ونحرص على أسلوب أكاديمي يُفسح المجال أمام القرّاء من مختلف الخلفيات للتبحّر في المعاني المحتملة. وفي الوقت نفسه، نتمنّى أن يكون هذا المقال طويلًا بما يكفي لتوضيح الجوانب المختلفة المرتبطة برؤيتك أو برؤية من حولك لما يتعلّق بـتقبيل الميت في المنام. نسأل الله أن ينير بصيرتك وأن يهبك السلام والطمأنينة في نومك وصحوك.

والآن، دعينا ودعنا ننطلق إلى أقوال علماء التعبير، فنستفتح الحديث بما نُسب إلى ابن سيرين في بعض المؤلفات التي عالجت موضوع الأحلام وتأويلها، ثم نعرّج على آراء ابن شاهين وابن غنام، لنصل في النهاية إلى جملة من الفوائد والمعاني التي قد تُعينك على فهم رؤيتك، وتجنّبك القلق أو التفسير الخاطئ.

تقبيل الميت في المنام عند ابن سيرين

عندما نأتي على ذكر تفسيرات الإمام محمد بن سيرين فيما يُنسب إليه في مجال تفسير الأحلام، فإنّ معظم الباحثين يشيرون إلى أن ما وصلنا هو مزيج من الروايات الشفهية والكتابية، قد لا يكون كله ثابتًا عنه يقينًا، لكنّه يظل مرجعًا استأنس به كثيرون على مرّ العصور. وفي باب تقبيل الميت في المنام، ذُكرت احتمالات مختلفة، قد ترتبط بشكل أساسي بالعلاقة بين الرائي والميت في الحياة الواقعية قبل الوفاة.

بحسب ما ورد في بعض المصادر المنسوبة لابن سيرين، فإن تقبيل الميت في المنام إذا كان الميت معروفًا للرائي، فقد يدلّ على حصول المنفعة أو العلم. ولعلّك تتساءلين أو تتساءل: لماذا العلم؟ لأن الميت قد يخلّف كتبًا أو نصائح أو دروسًا قيّمة، وقد يُفيد الحي من ذكراه فيما يتعلق بالتجارب الحياتية أو الأمور الدينية. أما إن كانت الرؤية مرتبطة بميت خلّف مالًا أو عقارًا، فقد يكون الأمر إشارة إلى حصول الرائي على جزء من هذا الإرث، أو نيل خير مادي من قريبٍ أو وارث آخر.

ويورد البعض أيضًا أنّ تقبيل الميت في المنام قد يشير إلى وصلك لشخص أو مكان لا تظنينه أو تظنه مصدرًا للخير. فعندما يُقال “الميت المجهول” في الرؤى، فهذا عادة ما يرمز إلى مصدر غير متوقع للأرزاق أو فرص تستجدّ، فقد يأتيك عطاء من جهة لم تكوني تتوقعينها أبدًا. ومن هذا المنطلق، إذا صادف ورأيت ميتًا لا تعرفينه وقمت بتقبيله، فربما يفتح الله لك أبوابًا لم تخطر ببالك.

على أنّ ابن سيرين، وغيره من المعبرين، لا يغفلون أنّ جانبًا مهمًا في تأويل الرؤى يتعلق بحال الرائي نفسه. فإذا كنت شخصًا يسعى لتعلّم أمور الدين أو العلم، فقد يكون تقبيل الميت دلالة رمزية على الرغبة في الاقتداء بشخصية صالحة توفيت سابقًا، كشيخ أو عالم أو قريبٍ عزيز حمل علمًا أو فضيلة. وإن كنت تسعين إلى كسب مال حلال، فقد تكون هذه الرؤيا بشرى تفتح لك الأبواب. ولكن يظلّ الأمر برمته مرتبطًا باستعانتك بالله وتوكلك عليه، فالرؤى محط اجتهادات قد تصيب وقد تخطئ.

ومن الواجب التنويه بأن ابن سيرين، وغيره من علماء التأويل في عصره، كانوا يربطون الرؤى بمدى استقامة الإنسان في حياته. فالرؤيا الحسنة قد تكون مؤشرًا على خير قادم، بينما الرؤيا السيئة قد تكون محض حلمٍ من الشيطان أو انعكاسًا لمخاوف وقلق داخلي. لذا عليك ألا ترتكن أو ترتكني بشكل مطلق إلى هذه التأويلات، بل تحمليها بمحمل الاسترشاد لا اليقين المطلق.

تقبيل الميت في المنام عند ابن شاهين

أمّا فيما يتصل بالإمام ابن شاهين الظاهري، فإن له كتابًا يعرف باسم “الإشارات في علم العبارات”، يتناول فيه جملة واسعة من الموضوعات المرتبطة بتفسير الأحلام. وقد أشار ابن شاهين إلى أنّ تقبيل الميت في المنام يُحتمل أن يدل على عدة أمور، لا تخرج عمّا ذكره ابن سيرين في العموم، لكنّه قد يزيد بعض التفاصيل.

من هذه الدلالات المحتملة عند ابن شاهين، أنّ الرائي قد يجني منفعة أو يحصل على خير واسع، وربما يكون هذا الخير مرتبطًا بميراثٍ معين تركه الميت، سواء كان مالًا أو مكانةً أو منزلة اجتماعية. كما قد يشير إلى الانتفاع من وصايا الميت التي تركها قبل وفاته. فربما أوصى الميت بشيء، فيلتزم الحي بتطبيق تلك الوصية ويحصد نتيجة إيجابية في دنياه أو آخرته.

قد يرد على خاطرك سؤال مهم: هل ترتبط نوايا الميت أو صلاحه في حياته بالدلالة الإيجابية لرؤيا تقبيل الميت في المنام؟ هنا يؤكد بعض المعبرين، ومنهم ابن شاهين، أنّ تصنيف الميت في المنام كونَه صالحًا أو طالحًا يلعب دورًا في التأويل. فإذا كان الميت معروفًا بالصلاح والاستقامة، ورآه الحي وهو في هيئة حسنة ثم قبّله، فقد يُشعر الحي بالطمأنينة حيال مصير الميت، فضلاً عن أنّه قد ينال بركة أو دعاءً طيبًا نتيجة الحفاظ على سيرته أو الاقتداء بأخلاقه. أما إذا كان الميت معروفةً عنه أفعال سيئة أو انحرافٌ في السلوك، فقد يحمل التقبيل تحذيرًا لك كي تراجع نفسك أو تحاول الابتعاد عن الأخطاء التي وقع فيها الميت.

وبحسب ابن شاهين، فإن المشاهد العاطفية في المنام لا تخرج عادةً عن حالتين: الأولى أن تكون الرؤيا بشارة أو رحمة، فتبعث في نفسك السرور والراحة. والثانية أن تكون تحذيرًا أو تنبيهًا لك لتحسن مسيرتك. وفي الحالتين، يُستحب لك بعد استيقاظك أن تتأمل جيدًا في مغزى الحلم وفي علاقته بواقعك الحالي، مع الإكثار من الدعاء والاستغفار. وكذلك تذكّر ألا تبوحي بتفاصيل رؤياك إلا لمن تثقين أو تثق بحكمته وعلمه.

ومن زاوية أخرى، يمكن أن نلفت انتباهك إلى أمر مهم، وهو أن الحالم قد يرى الميت في صيغ متعددة داخل الحلم الواحد؛ كأن يراه مريضًا أو سعيدًا أو حزينًا أو في وضعية صامتة. وفي حال وُجد تقبيل الميت في المنام ضمن تلك الأحداث، يجب النظر إلى المشهد ككل، ومراعاة ما قبله وما بعده من تفاصيل. فقد يكون التقبيل جزءًا من الرمز، لا الرمز بأكمله. بمعنى آخر، لا تُفسَّر الأحلام بأجزائها المنفصلة، بل بحسب المشهد العام والظروف المحيطة بالرؤيا.

تقبيل الميت في المنام عند ابن غنام

يعدّ ابن غنام، في كتابه “تعبير الرؤيا”، ممن تناولوا مسألة تقبيل الميت في المنام بشيء من التفصيل نسبيًا، وذلك في إطار حديثه الأشمل عن رموز الموتى في الأحلام. وقد أشار إلى أنّ هذه الرؤيا قد تؤوَّل بعدة أوجه، منها أنّ الحيّ قد استفاد من الميت في حياته بصورة واضحة، سواء كانت المنفعة علمية أو مادية أو معنوية. فإذا رأيت نفسك تُقبّل ميتًا، وكان هذا الميت شخصية معروفة قريبة منك، فربما يشير ذلك إلى رضاك أو رضاكِ عن ما قدمه الميت لكِ أو لك خلال حياته، وكأنّك تشكرينه على ما بذله من نصح أو دعم.

وبحسب رأي ابن غنام، قد تشير الرؤيا أيضًا إلى تحصيل علمٍ أو فائدة ذات صلة بمسلك الميت أو إنجازاته. فالمعلم الذي علّمك قواعد الدين، أو الوالد الذي ربّاك على مكارم الأخلاق، أو الجدّ الذي غمرك بالخبرات الحياتية، قد يُرمَز إليه في المنام عبر تقبيلك له بعد وفاته تعبيرًا عن حبك وامتنانك العميق. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يحمل معنى البرور والاستمرار في نهج الشخص المتوفى من خلال إحياء سيرته الحميدة أو صدقاته الجارية.

وقد يربط ابن غنام بين رضا الميت وبين تحقق ذلك الفعل في المنام. فيذكر مثلاً أنّه إذا كنت قد نفّذت وصية للميت، كالتصدق عنه أو أداء دين عليه، ثم رأيته في المنام يقبّلك أو تقبّله أنت، فقد يكون ذلك علامة على رضاه عنك بحسب تعبير الرؤى، أو علامة على أنّ الصدقة وصلت إليه وأكرمه الله بها. من هنا، فإن الرؤيا قد تشجعك على الإكثار من الدعاء والاستغفار للميت، والحرص على برّه حتى بعد وفاته.

أمّا إن كان تقبيل الميت في المنام يقع مع شخص لا تعرفينه على الإطلاق، فقد يؤول إلى مسألة غيبية لا تتوقعينها، كأن تتلقّي عرض عمل أو يصلك دعم من جهة مجهولة. وهذا المعنى لا يختلف كثيرًا عمّا أشار إليه غيره من المعبرين، فالوجه الغالب في تقبيل الميت المجهول هو حصول الرائي على منفعة غير متوقعة، قد تكون مالية أو وظيفية أو اجتماعية.

وللمرء أن يتساءل: هل يمثل هذا التأويل صدقًا يقينًا أم احتمالات ضنية؟ الجواب من منظور الشريعة الإسلامية واضح في أنّه لا يمكننا الجزم المطلق. لكنّ هذه التأويلات على مر التاريخ كانت مشجعة للكثيرين على التفاؤل، أو على الأقل عدم الوقوع في شرك التشاؤم إذا ما رأوا مثل هذه الرؤى. وعليه، فاحرص أنتِ وأنت على التعامل مع الرؤى بطريقة متوازنة، لا إفراط فيها ولا تفريط.

تقبيل الميت في المنام في ضوء معانقة الميت

أشار عبد الغني النابلسي في “تعطير الأنام في تعبير المنام” إلى أنّ تقبيل الميت في المنام قد يرتبط بقوة بمشهد آخر شائع، ألا وهو معانقة الميت. فالمعانقة والتقبيل يظهران في الرؤى أحيانًا في سياق واحد، وقد يُلقي أحدهما ضوءًا على الآخر. فالمعانقة، عمومًا، تدلّ على مدى الاشتياق أو الحنين أو المحبة التي يكنّها الحالم للميت.

بحسب النابلسي، فإن معانقة الميت قد تؤول إلى طول عمر للرائي، وخاصة إذا كانت المعانقة في الحلم ودّية وغير مخيفة. وقد ترمز أيضًا إلى المودة، أو إلى الحب الكبير الذي يربط الحي بالميت عندما كان في الحياة الدنيا. وفي بعض المواضع، يُذكر أن المعانقة إذا استمرّت دون أن يترك الميت الحي، فقد تنبّه إلى اقتراب أجل الحالم -ونسأل الله لك طول العمر في الخير والطاعات-. لكنّ هذه المسألة تحتاج إلى تدقيق ومراعاة أحوال الرائي ونوع المشاعر التي ترافق الحلم.

لذا، حين يجتمع تقبيل الميت في المنام مع معانقته، قد يزداد المعنى وُضوحًا باتجاه الحب والرحمة، وقد يشير إلى شدّة ارتباطك بذلك الشخص. وإذا كان هذا الميت قريبًا عزيزًا عليك، فإنك تُعَبّرين في حلمك عن حنينك أو افتقادك له، وفي الوقت ذاته قد تكون بشرى باقتباسك بعض صفاته أو نيلك بركة من دعائه أو وصاياه. أما إذا كانت المعانقة طويلة وفيها تباكٍ أو حزن شديد، فقد تُظهر جانبًا من تألّمك النفسي واشتياقك الصادق، مما يستدعي أن تبحث أو تبحثي عن سبل لتخفيف هذا الألم، كالدعاء للميت، والصدقة عنه، والتواصل مع أحبائه.

بشكلٍ عام، هناك من يرى أن المعانقة في المنام قد تشير كذلك إلى السفر البعيد أو التغيير الجذري في حياة الرائي. فمن الممكن أن يكون التقبيل والمعانقة تشبيهًا بالانتقال من حالٍ إلى حال، أو الدخول في مرحلة جديدة. فإذا كنت تفكرين في تغيير مكان الإقامة أو الانطلاق في مشروع كبير، فإن رؤية ميت تحتضنه أو يقبّلك قد يُشعرك بحاجة إلى دعمه الروحي أو استحضار خبرته إن كان قريبًا ملمًا بتلك الخبرات في حياته.

وفي جميع الأحوال، يوصي أهل العلم من المفسرين بعدم التعجل في إصدار الأحكام القطعية بناءً على مثل هذه الرؤى، بل ينبغي أن تبنى على قاعدة من التقوى والإيمان والتوكل على الله. فلا ننسى الحديث الشريف الذي يبيّن أن الرؤى الطيبة من الله، وأن الرؤى المزعجة من الشيطان، وعليه يُستحب الاستعاذة بالله من شرّ تلك الأحلام وسؤال الله من فضله إن كانت الرؤيا مبشرة.

تقبيل الميت في المنام وأهمية التعامل الصحيح مع الرؤى

عندما تتأمل أو تتأملين في مسألة تقبيل الميت في المنام من جهة التأثير الروحي، ستجدين أو ستجد أن الأهم من المعرفة النظرية بالتأويلات هو الكيفية التي تتعامل بها أو تتعاملين بها مع الرؤيا بعد الاستيقاظ. فقد دلّنا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إذا رَأَى أحَدُكُمْ رُؤْيا يُحِبُّها، فإنَّما هي مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عليها ولْيُحَدِّثْ بها، وإذا رَأَى غيرَ ذلكَ ممَّا يَكْرَهُ، فإنَّما هي مِنَ الشَّيْطانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِن شَرِّها، ولا يَذْكُرْها لأحَدٍ، فإنَّها لا تَضُرُّهُ”.

وهذا الحديث يجسد قاعدة أساسية في المنهج الإسلامي للتعامل مع الأحلام. فإذا رأيت رؤيا تقبيل الميت في المنام بطريقة إيجابية تشعرك بالراحة والاطمئنان، فاشكري الله، وتحدثي أو تحدث بما رأيته لمن تثق بعلمه وحكمته. أما إذا أحسست بالضيق والانزعاج من رؤية الميت وتقبيله، فاستعيذ بالله من الشيطان، وحاولي صرف ذهنك عن التعلّق الزائد بتأويلات قد تُسبب لك القلق.

من جهة أخرى، تتفاوت الناس في مدى تأثرهم بالأحلام؛ فقد يظل البعض منشغلًا بها لأيام طوال، فيما ينساها آخرون بعد لحظات من الاستيقاظ. وينبغي لك موازنة الأمر، فلا تهملي الرؤيا الهادفة التي قد تجلب لك البشارة والتوجيه، وفي الوقت ذاته لا تفرطي في الخوف أو الحزن بسبب رؤيا عابرة. فالتوازن هو سرّ الصحة النفسية والروحية، وعليك إدراك أن الله -تعالى- هو الذي بيده الأمر كلّه.

كما يُستحسن أن تتبع بعض النصائح العملية: مثل النوم على طهارة، وقراءة الأذكار قبل النوم، وطلب الرحمة والمغفرة للميت الذي رأيته، والدعاء له بصدق. وهذه الممارسات تعينك على تهذيب أحلامك وتصفية ذهنك من شوائب النفس ومخاوفها قبل الخلود للنوم. وفي حال تكرر تقبيل الميت في المنام عليك، يمكنك مراجعة ذاتك: هل هناك أمر عالق في ذهنك أو قلبك تجاه الميت؟ هل تشعرين بالندم على تقصيرك في حقه أو رغبتك في الاستزادة من علمه؟ فقد يكون الحلم رسالة تطلب منك أخذ خطوة عملية، مثل إخراج صدقة على روحه أو كثرة الدعاء والاستغفار له.

أخيرًا، من المهم أن نتذكر أن الرؤى لا تبني لنا أحكامًا شرعية، وإنما قد تكون مؤشرات أو رسائل شخصية تتعلق بحياتنا وسلوكنا. فإذا أشعرك الحلم بضرورة تصحيح مسلكك أو زيادة عمل الخير، فبادري إلى ذلك. وإذا بعث فيك الأمل والطمأنينة، فاحمد الله وسجّل هذه اللحظة في قلبك لتكون باعثًا على مزيد من العطاء والالتزام.

تقبيل الميت في المنام: تأملات ختامية

أيها القارئ الكريم وأيتها القارئة الكريمة، بعد استعراضنا لآراء كل من ابن سيرين وابن شاهين وابن غنام والنابلسي، ندرك أنّ تقبيل الميت في المنام شأنه شأن غيره من الرؤى التي قد تحمل دلالات متنوعة، تتأرجح بين المنفعة العلمية أو المادية، وبين الإشارة إلى اشتياق وحنين يربط الأحياء بالأموات. وقد يقترن بمعانٍ تشير إلى رضا الميت عن الحي أو بركة ينالها الحي من علم الميت وأثره، كما قد تشير أحيانًا إلى تحذير أو تنبيه يحتاجه الرائي.

ومن خلال هذه التأملات، يظهر جليًا أنّ المسؤولية الكبرى تقع عليك في طريقة تعاملك مع هذه الرؤى. فالدين يحثّك على ألا تشغلي أو تشغل نفسك بهموم التأويل السلبي، بل تسعى لمداومة الدعاء والصدقة والاستغفار، سواء كان الميت قريبًا حبيبًا أم إنسانًا لا تعرفه. وإن في ذلك تقوية لصلاتك الروحية ورحمتك للأموات، كما أنه قد يكون سبيلًا لحصولك على خير في الدنيا والآخرة.

إن تقبيل الميت في المنام ربما يذكّرك بالروابط التي توحّد بين عالم الأحياء والأموات، ويحثّك على استمرار الوفاء لمن تحب حتى بعد رحيله، مثل إنفاذ وصاياه وزيارة أهله والتصدق على روحه. وبالرغم من أنّ الكتب التي تناولت تفسير الأحلام تقدّم تصوراتٍ واسعة، فإنّها تظل مؤشرات ظنية متصلة بطبيعة الرؤى الرمزية. لذا، فخير ما تفعله إن رأيت هذه الرؤيا هو الجمع بين الاستبشار بما قد تحمله من خير، وبين التضرع إلى الله وسؤاله السلامة والعافية، وإظهار الامتنان لمن سبقك إلى جوار الله.

ختامًا، فلتذكري ولتذكر أنّ الله وحده يعلم الغيب وما تخفي الصدور. وإن رأيت يومًا تقبيل الميت في المنام، فلتفهمي ولتفهم أنّها قد تكون فرصة لمراجعة ذاتك وتقوية صلتك بالله، وفرصة أيضًا لتذكّر من تحبهم ومن رحلوا عنك، عبر تقديم الخير لهم في الدار الأخرى بالدعاء والصدقة، أو باستحضار أثرهم الحميد في حياتك. نسأل الله أن يتغمّد أمواتنا برحمته، وأن يرزقنا وإياكم الفهم والتوفيق، وأن يلهمكم السكينة واليقين بما ينفعكم في دنياكم وآخرتكم.

إسمي فاطمة العتيبي، حاصلة على الدكتوراه في الصيدلة، أعمل كصيدلانية مسؤولة ولدي العديد من الأبحاث العلمية في مجال الصيدلة. أيضًا، أنا مصورة ومهتمة بالمعرفة بجميع أشكالها. شغوفة باللغة العربية ومهتمة بإثراء المحتوى العربي.

السابق
تقبيل الرأس في المنام
التالي
تفسير حلم غيرة الزوج على زوجته

Advertisement