الحياة والمجتمع

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

Advertisement

مقدمة حول مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

عزيزي القارئ، يحلّ علينا شهر ربيع الأول كل عام حاملاً معه ذكرى من أغلى الذكريات الدينية على قلوب المسلمين جميعًا، ألا وهي مولد النبي محمد، خاتم الأنبياء والمرسلين. إنّ مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تمثّل لقاءً روحانيًا يجتمع فيه الناس على الحبّ والتوقير والتقدير لمن جاء رحمةً للعالمين، فتتجلّى فرحة هذه المناسبة عند المسلمين بطرق متنوعة في شتى بقاع الأرض، حيث يحرص كل مجتمع على إظهار أبهى صور التعبير عن هذه الذكرى العظيمة، سواء من خلال تبادل الزيارات وتوزيع الأطعمة والحلويات، أو إقامة حلقات الذكر والمدائح النبوية، أو عقد الفعاليات الرسمية في المساجد والساحات العامة.

في هذا المقال، ستخوض أنت جولة ممتعة بين أهم مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في أنحاء مختلفة من عالمنا العربي والإسلامي، ابتداءً من دول المغرب العربي، ومرورًا ببلاد الشام والمشرق العربي، ووصولاً إلى شبه الجزيرة العربية ومناطق إسلامية أخرى، كما سنعرج على الدور الذي تضطلع به المؤسسات الدينية والتعليمية في إثراء هذه الاحتفالات، وفي النهاية ستجد خاتمة شاملة تلخّص لك ما تمّ التطرق إليه. إن هدفنا هو أن نقدّم لك محتوى أكاديميًا ومطوّلًا وغنيًا بالمعلومات الموثوقة، يجعلك على دراية واسعة بكيفية استحضار المسلمين للسيرة النبوية في هذه الأيام الفضيلة، ويمنحك إحساسًا حيًّا بعمق هذه الذكرى في وجدان الأمة الإسلامية.

ستجد في السطور القادمة سردًا مفصّلًا لطقوس وعادات الشعوب في هذه المناسبة المباركة، مع تسليط الضوء على الأبعاد الروحية والاجتماعية والإنسانية التي ترافقها. إنّ الاحتفال بمولد النبي محمد لا يُعدّ محض طقس احتفالي فحسب، بل هو محطة مهمة تذكّرك بقيم التسامح والعطاء والرحمة التي جاء بها صاحب الذكرى صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك يعزّز من شعورك بالانتماء والترابط مع الملايين من المسلمين الذين يوحدّهم حبّهم للنبي الكريم. وها أنت الآن على مشارف رحلة ثرية بالمعلومات، لتكتشف كيف يجسّد المسلمون شكرهم وحبّهم لرسول الإنسانية، وكيف يتناقلون العادات الجميلة التي ورثوها عبر الأجيال، حتى أصبحت جزءًا من هوية كل بلد وثقافته.

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في دول المغرب العربي

إذا تأملت في دول المغرب العربي، التي تضم تونس والجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا، فستلحظ أنّ احتفالهم بالمولد النبوي الشريف يتميّز بملامح تراثية وروحانية خاصة، إذ تحرص كل أسرة على إبراز روح المحبّة لرسول الله والابتهاج بقدوم ذكرى مولده المبارك من خلال عادات شعبية وجماعية امتزجت بروح المجتمع المغاربي وتاريخه الطويل.

في تونس، على سبيل المثال، قد تستوقفك رائحة عصيدة الزقوقو الشهيرة التي تُعَدّ رمزًا رئيسيًا في هذه المناسبة. يبدأ تحضيرها قبل أيام من المولد، وتتنافس ربات البيوت في إتقان وصفتها وتزيينها بالمكسرات والفواكه المجففة. ليس الهدف منها مجرد التلذذ بطعم جديد، بل إنّها تمثّل إرثًا تاريخيًا يربط الأجيال الجديدة بتراث الأجداد. ويُنظر أحيانًا إلى غيابها عن طاولة الاحتفال على أنّه نقص في بهجة هذا اليوم. ويواكب هذه الأجواء إقامة حلقات المدح في جامع الزيتونة وجامع عقبة بن نافع بالقيروان، حيث يتوافد المسلمون من مختلف المناطق التونسية للمشاركة في تلاوة الأذكار والمدائح النبوية، وفي صباح اليوم التالي يتبادلون التهاني وأطباق الحلويات احتفالًا بذكرى أشرف الخلق.

أما في الجزائر، فأنت على موعد مع احتفال طويل يمتدّ لأسبوع كامل يسمّى هناك بـ”السبوع”، حيث يبدأ الاستعداد له مع حلول شهر ربيع الأول. تقوم العوائل بتنظيف البيوت وشراء بعض اللوازم الجديدة، وتنقلب الشوارع إلى لوحة فنية ملوّنة بالأضواء والرايات احتفاءً بقدوم ذكرى ميلاد النبي. وفي ليلة المولد بالذات، تجتمع العائلة على مأدبة عشاء تزخر بالأصناف التقليدية مثل طبق “البركوكس بالدجاج”، ويجتمعون حول الشموع والأناشيد والمدائح النبوية التي تجعل الأجواء تفيض فرحًا وهيبة. وفي صباح يوم المولد، تُطلق الزغاريد من النوافذ والأبواب، وتتواصل الاحتفالات في المساجد والزوايا؛ إذ يقرأ الناس أشعار المديح ومن أشهرها القصائد الهمزية، وفي ختام الفعاليات تُقام مسيرة احتفالية تدعى “الذرى” أو “التبشير”، تخرج في عدد من المدن لتجوب الأحياء وتذكّر الجميع بقيمة هذا اليوم في وجدان الجزائريين.

حين تنتقل إلى ليبيا، ستندهش بروحانية متميّزة تتجلى في رفع الأعلام الملونة، وسعف النخيل، وإيقاعات الدفوف التي تُعلي من ذكر الرسول الكريم. ويأتي طبق “العصيدة” الليبية في مقدّمة الأطعمة التراثية التي تُحضَّر خصيصًا منذ الصباح الباكر. بعد تناولها، تجتمع العائلات في المنازل والساحات، في حين يطغى طابع احتفالي يذكّر بمظاهر العيد؛ كارتداء الأزياء التقليدية، وتبادل التهاني، وترديد الأناشيد. ويُعرف يوم المولد هناك باسم “الميلود”، ويعدّ عطلة رسمية على مستوى البلاد، وتنطلق فيه فرق المديح الديني بإنشاد قصائد بردة الإمام البوصيري، وفي مقدمتها “مولاي صلِّ وسلّم دائمًا أبدًا…”، في مشهد يعيد رسم ذكريات الليبيين عن هذا الحدث الجليل مع كل عام جديد.

في المغرب، تحسّ بفرحة خاصة تصاحب مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. إذ تبدو الأسواق وكأنّها أُعدّت خصيصًا لهذه المناسبة، وتمتلئ بأصناف الحلوى التقليدية، وتنشط حركة شراء الملابس الجديدة للأطفال. منذ الصباح الباكر، تُعدّ الأسر موائد الطعام الشهيّة، والحلويات المغربية من فطائر ومعجّنات تُقدم للضيوف والأقارب الذين يتبادلون الزيارات والتهاني. واللافت أيضًا هو الاحتفال الرسمي الذي يحضره ملك البلاد وكبار الشخصيات السياسية والدينية، ويُبثّ مباشرة على القنوات المحلية. يبدأ الاحتفال بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم تُنشد الأناشيد الدينية التي تدعو إلى التحلّي بأخلاق النبي وصفاته الرفيعة، وسط إشعال البخور ورائحة العود التي تملأ الأجواء بخشوع وسمو روحي.

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في المشرق العربي وبلاد الشام

في هذا الجزء من العالم، تتعدد تقاليد الاحتفال وتتفرّع حسب البيئة الاجتماعية والثقافية لكل بلد. إذا اتجهت مثلًا إلى السودان مع مطلع شهر ربيع الأول، سترى خيامًا كبيرة تُنصب في الساحات العامة كإشارة انطلاق لفعاليات تمتد عشرة أيام، يشارك فيها عامة الناس والباعة المحليون الذين يروّجون للحلوى والمنتجات المرتبطة بهذه المناسبة. هناك يُطلق على مسيرة الاحتفال اسم “الزفة”، وهي تتضمن حلقات ذكر ومواعظ ومدائح نبوية، ويمتاز السودانيون بطابع صوفي متجذّر في وجدانهم، إذ تحضر الطرق الصوفية بقوة في المواكب الدينية التي تزيّن الشوارع بالأعلام الخضراء والطبول.

أما في فلسطين، فتبدو الفرحة واضحة في مدن مثل القدس ونابلس وجنين، حيث تُنظَّم المسيرات الاحتفالية وتُعلَّق الرايات الملونة وتُنصب الأضواء في الشوارع والمحلات. يُشهد هناك تبادل أطباق الحلوى وسط ترديد الأناشيد وقصائد المديح. يتوافد الأطفال مع ذويهم للمشاركة في الفعاليات الطريفة، حيث تسير الفرق الموسيقية الشعبية وهي تنشد أدعية تتناول صفات الرسول الكريم وسيرته، مذكّرة الجميع بمآثره ومكارمه، فيتحلّى هذا اليوم بأجواء روحانية تُحكى للأجيال الصاعدة لتُزرع في قلوبهم محبة النبي منذ الصغر.

وفي الأردن، تمنح السلطات عطلة رسمية احتفاءً بهذه المناسبة، فتشتهر المساجد هناك بتنظيم محاضرات ودروس دينية خاصّة تلقي الضوء على أهمية المولد النبوي الشريف باعتباره محطة لإحياء سنته وترسيخ قيم ديننا الحنيف. كما تجتمع العوائل لتناول أطباق الحلويات المختلفة التي تحاكي أجواء شهر رمضان، وتتبادل الزيارات لتهنئة بعضهم بعضًا. تجذبك حالة من التواصل الإنساني الذي يسود بين الناس، حيث تجدهم يتساءلون ويتحادثون حول فضائل النبي، ويتبادلون الحلوى في إجلال لهذه الذكرى المباركة.

في سوريا، تحيا المدن والقرى في جو من البهجة التي تتخلّلها الشعائر التقليدية. ليلة المولد النبوي تسبقها تحضيرات مكثفة، حيث يشتري الناس مستلزمات الحلوى، ويزيّنون البيوت والشوارع بالأضواء الخضراء. تُسمع المدائح من الشباب الذين يجوبون الأحياء، وتتبادل الفتيات تقديم “الملبس” – تلك الحلوى المميّزة – كهدايا رمزية. أمّا في يوم المولد نفسه، تحتفل المساجد والمراكز الدينية في الفترة ما بين المغرب والعشاء. تبدأ الاحتفالية بتلاوة بعض آيات القرآن الكريم، وتتبعها قراءة سيرة النبي التي تسمّى لديهم بـ”المولد”. بعدها ينشد المُنشدون التواشيح، ويؤدَّى رقص المولوية في بعض المناطق، حتى تختتم الأجواء بصلاة العشاء جماعة، وسط شعور بالامتنان للخالق على نعمة الإسلام ورسوله.

بالانتقال إلى العراق، ستلمس أنت روعة العادات المتوارثة بين الأجيال حين يحين يوم المولد النبوي. تبرز أجواء الفرح في تزيين البيوت والشوارع والمساجد. يشتهر العراقيون بتحضير أطباق حلويات خاصة مثل “الزردة” و”حلوى التمر”. غالبًا ما يُنظم حفل رئيسي في منطقة الأعظمية ببغداد، حيث مسجد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، ويحضر الآلاف ليتابعوا مسابقات ختم القرآن، وأناشيد المديح الديني التي يقدّمها أشهر منشدي العراق. وفي صباح اليوم التالي، ينطلق الأهالي لاستكمال الاحتفالات، وتتواصل لعِدّة أيام. كما يُقام طقس ختان الأطفال الذكور في بعض المناطق مجانًا في ذكرى ميلاد النبي، كتعبير عن البهجة والفرحة، وترسيخًا لعادة قديمة تزامنت مع هذه المناسبة.

أما في مصر، فللشوارع حكاية خاصة. تتزين المحال والمنازل بعرائس وحصان “حلوى المولد” المصنوعة من السكر، وتتنوع أشكالها وأحجامها. يتبادل الناس التهاني ويصطحبون أطفالهم لشراء هذه الحلوى الشهيرة، ويتشاركون طعام الغذاء الذي غالبًا ما يتضمن اللحوم، في تجمّع عائلي دافئ يستعيدون فيه بطولات النبي وصحابته الأبرار. وتُقام في المساجد حلقات المدح وسماع السيرة النبوية، وتنتشر أجواء معنوية تؤكّد على رسوخ حبّ النبي في نفوس المصريين جيلاً بعد جيل.

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في شبه الجزيرة العربية

في المملكة العربية السعودية، يأخذ بعض الناس بهذا اليوم عطلة رسمية، ويختار آخرون صيامه تأسّيًا بالنبي الكريم. هناك شرائح واسعة تنشط في قراءة القرآن والأدعية المأثورة بهذه المناسبة، في صورة من صور التعبّد والشكر على نعمة ميلاد خاتم المرسلين. ورغم اختلاف أساليب الاحتفال بين السعوديين، إلا أنّ القاسم المشترك هو استحضار السيرة النبوية، ودراسة أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم، والحرص على توزيع الأطعمة والحلويات على العائلات والمارّة. فيشعر المواطنون والمقيمون بروحانيّة خاصة تشجّعهم على الرجوع إلى تراثهم الديني واستذكار الدروس المستفادة من سيرة النبي.

أنت إذا تجوّلت في اليمن تحديدًا في غرب البلاد، ستلاحظ عشاق النبي يعبّرون عن مشاعرهم بطرق متنوعة، يصفون هذه الليلة بـ”ليلة النور” أو “ليلة الفرحة”. تكتمل أوجه الاحتفال بتجمّعات الأسر في المجالس الشعبية حيث يقرأ الشيوخ السيرة النبوية، وتعلو أصوات الأناشيد والمدائح التي تعبّر عن عمق الحب والتوقير للنبي. في صباح اليوم التالي، قد تصطحب الأمهات أطفالهن إلى الحدائق ومدن الألعاب، بينما تستمر جلسات الأكل الجماعي حتى أذان الظهر، حيث تُقدّم أطباق الحلوى التقليدية كـ”الخاجلة” بجانب أصناف متنوعة من اللحوم والأسماك في أجواء عائلية مفعمة بالمودّة.

وفي الإمارات العربية المتحدة، تتجسّد مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بإقامة احتفال رسمي تنظّمه الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، تحضره قيادات سياسية ودينية رفيعة المستوى. يبدأ الاحتفال بقراءة آيات من القرآن الكريم، ثم يتوالى عقد المحاضرات الدينية الهادفة إلى تسليط الضوء على مكارم الأخلاق والسيرة العطرة للنبي، وكيفية اتباع نهجه في الحياة اليومية. أحيانًا تمتد هذه الاحتفالات لمساجد الحي التي تعقدها مراكز التحفيظ الديني، حيث يُلقى فيها المدائح ويُختم الاحتفال بدعاء عام يطلب من الله تعزيز الأخوّة والتضامن بين المسلمين في هذه المناسبة.

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في بعض الدول الإسلامية

بعيدًا عن العالم العربي، لنقل إنك تسافر إلى باكستان في شهر ربيع الأول، فسترصد مشاهد فريدة تنطلق فيها المواكب الدينية إلى الشوارع، محمّلة بالأعلام الخضراء الكبيرة التي صنعها الشباب خصيصًا لإحياء الذكرى. تتزين المدن بمصابيح ملونة تضفي أجواء احتفالية لا تقل شغفًا عما تشهده العواصم العربية، وتتواصل الفعاليات في الخيم التي تُنصب لإلقاء الخطب والمدائح. ويتجمع المئات وأحيانًا الآلاف لينشدوا قصائد مديح تذكّر الجميع بفضل النبي على البشرية، وبقيمه التي تدعو إلى المحبة والسلام.

أما في تركيا، فتتسم الأجواء بطابع هادئ ومهيب. تجد الناس يتوافدون على المساجد بعد صلاة العشاء تحديدًا، لحضور احتفالٍ ديني تقليدي تبدأ فقراته بآيات من الذكر الحكيم، ثم تُلقى الأناشيد المعروفة بقصائد الشاعر العثماني سليمان جلبي، التي تتغنّى بصفات النبي وأخلاقه. تنطلق المحاضرات على القنوات التلفزيونية والإذاعات المحلّية، تشرح أبعاد السيرة النبوية، وتشجّع العوائل على تخصيص أوقات للابتهال والدعاء. في نهاية الاحتفالات، تُوزّع أصناف من الحلوى والمشروبات الساخنة في بعض المساجد. ويلجأ آخرون إلى الصيام في هذا اليوم، مستحضرين البعد التعبدي والروحي الكبير لهذه المناسبة.

وفي إندونيسيا، التي تُعد أكبر دولة إسلامية من حيث تعداد السكان، تبدأ الاستعدادات للمولد النبوي قبل حلول اليوم المرتقب بفترة، إذ تنتشر في شوارع العاصمة جاكرتا ومدن أخرى زينة الأعلام واللافتات التي تحمل عبارات الحمد والثناء على صاحب هذه الذكرى المجيدة. وفي بعض المناطق، تُنظم مسابقات دينية كمسابقة تلاوة القرآن، ومسابقات لإلقاء الشعر والنشيد، يعقبها توزيع الهدايا الرمزية على الفائزين. وترى تفاعل الأطفال والكبار على حد سواء في هذه الأنشطة، ما يؤكد أنّ الشعب الإندونيسي يعتزّ بهذه المناسبة، ويسعى لجعل الأجيال الجديدة تنهل من قيم وتعاليم الرسول منذ المراحل العمرية الأولى.

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في المؤسسات الدينية والتعليمية

إن كنتَ تتساءل، عزيزي القارئ، عمّا يُقدَّم للأجيال الصاعدة من رعاية وتوجيه ديني واجتماعي في ذكرى المولد النبوي، فإن الصورة تتّضح حين تطّلع على الدور الكبير الذي تضطلع به المساجد والمدارس ورياض الأطفال، بالإضافة إلى الجامعات. إذ تجد في كثير من الأقطار العربية والإسلامية، أنّ المدارس تحرص على تخصيص يوم من نشاطاتها المدرسية للاحتفاء بذكرى ميلاد الرسول، فيجتمع الطلبة في قاعات الاحتفال أو في ساحات المدرسة حاملين أعلامًا ملوّنة، ويردّدون الأناشيد التي تتغنى بمدح النبي وتذكّر بقيم التسامح والمحبّة واحترام الآخرين. كما تُلقى كلمات قصيرة تذكّرهم ببعض جوانب السيرة النبوية، مثل أمانته وصدقه وعدله، وتحفّزهم على التخلّق بأخلاقياته.

أما رياض الأطفال، فتضع برامج تعليمية تفاعلية تروي فيها قصصًا مختصرة حول مولد النبي وحياته، ويشارك الصغار في أنشطة فنية بسيطة كالرسم والتلوين لأشكال مرتبطة بالمناسبة، فتزرع في قلوبهم حُب الرسول منذ نعومة أظفارهم. ويساهم هذا التأسيس المبكّر في تعميق جذور المحبة والانتماء الديني في وجدان الأطفال، بحيث يكبرون وهم يدركون المعاني السامية التي تركها النبي خاتمًا للأنبياء.

في الجامعات، قد تُنظَّم ندوات ومحاضرات علمية يحضرها الأكاديميون والطلاب والموظفون الإداريون، تتمحور حول السيرة النبوية ومواثيق الأخلاق والقيم التي جاء بها رسول الإنسانية. يُلقي الأساتذة المختصون في الدراسات الإسلامية أو التاريخ الإسلامي محاضرات تضيف بُعدًا فكريًا للدراسة الأكاديمية، ويحثون الحضور على الرجوع إلى النصوص الصحيحة لتناول سيرة المصطفى بطريقة علمية تليق بمكانته. وغالبًا ما يختتمون هذه الفعاليات بالدعاء وابتهاالات جماعية تعبّر عن الفرح والابتهال بأن يبارك الله في الأمة ويعيدها إلى نهج نبيها في تعزيز معاني التعاون والتكافل.

المساجد أيضًا تتزيّن وتفتح أبوابها للمصلّين والزوار من مختلف الأعمار، فتُعقد حلقات الذكر والمدح التي يمتزج فيها صوت المنشدين مع روحانية التضرّع والدعاء. يدور الحديث حول نشأة النبي وأخلاقه ودوره العظيم في نشر رسالة الإسلام، وترتفع أكفّ المجتمعين إلى الله، راجين أن يكرّم الأمة بالخير والبركة. بعض البلدان تبدأ احتفالات المساجد منذ بداية شهر ربيع الأول وتستمر حتى نهايته، لتمنح أكبر عدد من الناس فرصة للمشاركة في هذه الفعاليات، فيجد الإنسان نفسه أمام محطات متعددة تذكّره كل يوم بمكانة النبي في قلبه، وتحفّزه على الاقتداء بقيمه النبيلة في الحياة العملية.

الخاتمة حول مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

بعد كل هذا التجوال في أروقة البلدان العربية والإسلامية، ستدرك أنّ مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليست مجرّد شكليات أو تقاليد خاوية؛ بل هي رسالة حبّ ووفاء تعكس عمق العلاقة بين المسلمين ونبيّهم، وتُذكّرك بأسمى المبادئ التي بُعث بها ليخرج الناس من الظلمات إلى النور. لقد رأيت كيف تلتقي القلوب على مدار أيام شهر ربيع الأول في حلقات الذكر والأناشيد، وكيف تحرص الأسر على تناقل الوصفات التراثية وأطباق الحلوى التي تُعد جزءًا من هُويتهم الثقافية. كما شهدت الدور الكبير للمؤسسات الدينية والتعليمية في غرس هذه المعاني وإحياء السيرة النبوية في الأذهان جيلاً بعد جيل. إنّ هذه الذكرى المباركة، مهما اختلفت أشكال الاحتفال بها، تجمعك بأمّة كاملة توحّدها مظاهر الفرح والسعادة بميلاد خاتم الأنبياء والمرسلين، وهي علامة صادقة على المحبّة والاقتداء والتأسي بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في كل حين.

إسمي فاطمة العتيبي، حاصلة على الدكتوراه في الصيدلة، أعمل كصيدلانية مسؤولة ولدي العديد من الأبحاث العلمية في مجال الصيدلة. أيضًا، أنا مصورة ومهتمة بالمعرفة بجميع أشكالها. شغوفة باللغة العربية ومهتمة بإثراء المحتوى العربي.

السابق
الوقاية من حوادث السير
التالي
الفرق بين السنة الميلادية والهجرية

Advertisement