الحياة والمجتمع

أضرار الزواج المبكر

Advertisement

مقدمة: أضرار الزواج المبكر

أنت تعلم أن قرار الزواج يُعدّ من أهم القرارات المصيرية في حياة الأفراد، فهو يرتبط بتكوين أسرة جديدة وبناء مستقبل تتشابك فيه المسؤوليات والواجبات. ومع ذلك، فإن ما يُعرَف بـأضرار الزواج المبكر قد يتفاقم بصورة كبيرة حين يتسرّع الأهل أو الشباب باتخاذ هذا القرار في سن صغيرة. فالزواج في مرحلة مبكرة لا يقتصر أثره على الناحية الاجتماعية فحسب، بل يمتد ليشمل جوانب متعدّدة، كالصحة النفسية والجسدية، والتعليم، والفرص الاقتصادية، وصولاً إلى قدرة المجتمع على التطوّر والنمو. إن الحياة الزوجية تتطلّب استعداداً متكاملاً يشمل الاستقلال العاطفي والاقتصادي، والإلمام بمهارات التواصل والتفاهم، إلى جانب المعرفة الكافية بأساليب الرعاية والتربية للأطفال في المستقبل.

إن التسرّع في الارتباط في سن صغيرة قد يعني فقدان فرصة تكوين شخصية أكثر نضجاً، وبالتالي قد يجد الطرفان نفسيهما في صراعات متتابعة، مع نقص في الخبرة والمرونة في التعامل مع المشكلات. وربما ترى من حولك حالات عديدة لشباب وفتيات يواجهون تحديات كبيرة بعد الزواج المبكر، كالتخبط في تحمّل المسؤوليات، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، أو المعاناة من التوتر المستمر بسبب ضغوط الحياة الزوجية.

ولأن الحديث عن أضرار الزواج المبكر يشمل محاور متعددة، فسنتناول هنا أبرز الجوانب السلبية التي تنعكس على الاستقرار النفسي والصحة الجسدية، وتأثيره على العلاقات الاجتماعية والتحديات الاقتصادية. كما سنتطرق لتأثير الزواج المبكر على تربية الأطفال ومستقبل التعليم والعمل، وصولاً إلى انعكاساته على تقدّم المجتمعات. وفي الختام، سنناقش الكيفية التي يمكن من خلالها الحدّ من هذه الظاهرة، ساعين إلى توجيهك نحو اتخاذ قرارات مدروسة تصب في مصلحة الفرد والمجتمع على حدٍّ سواء.

أضرار الزواج المبكر على الاستقرار النفسي

يُعتبر الاستقرار النفسي من الركائز الأساسية في بناء أسرة سليمة. إن تعجيل خطوة الزواج في سن صغيرة يجعل الأفراد عُرضة لتحديات نفسية متعدّدة قد لا يملكون الأدوات الكافية لمواجهتها. فقد تشعر أنت أو شريكك بالضغط الكبير نتيجة مسؤوليات الأسرة التي تتراكم بسرعة، لتتفاجأ بتغييرات جذرية في نمط حياتك، بدءاً من الواجبات المنزلية واحتياجات الشريك ووصولاً إلى رعاية الأطفال. ومع افتقاد الخبرة الحياتية، قد تتحوّل هذه المسؤوليات إلى عبء نفسي يؤدي إلى الإجهاد والتوتر المستمر.

في هذه المرحلة، يكون الشخص في طور بناء هويته واكتشاف رغباته وتوجهاته المستقبلية. فبدلاً من قضاء وقت كافٍ في تكوين الشخصية وتحديد الأهداف، يجد الفرد نفسه منخرطاً في حياة زوجية تتطلّب قدراً كبيراً من البذل والعطاء والتضحيات التي لم يتهيأ لها بعد. لهذا السبب، يتأثّر الاستقرار النفسي سلباً، وقد تتفاقم المشاعر السلبية مثل القلق والإحباط بسبب صعوبة الموازنة بين الرغبة في عيش مرحلة المراهقة والشباب بحرية، والالتزام بمسؤوليات الزواج.

من جانب آخر، تظهر أضرار الزواج المبكر على مستوى الصحة العقلية عندما يفتقر الأزواج الصغار إلى الدعم العائلي والتوجيه من قِبَل أشخاص ناضجين، ما يتركهم أمام خيارات صعبة تتطلب قرارات مصيرية. هذا الافتقار للتوجيه قد يجعلهم عرضة لاتخاذ قرارات خاطئة تؤدي إلى خلافات زوجية مستمرة وزعزعة الاستقرار النفسي. وقد يلجأ بعض الأفراد إلى الانعزال أو الكبت العاطفي في محاولة للتكيف مع الواقع المفروض، وهذا قد يتطوّر إلى مشاكل نفسية أكثر تعقيداً مثل الاكتئاب أو فقدان الثقة بالنفس.

كما أنّ طبيعة العلاقة الزوجية المبكرة قد تُعرّض الطرفين لاحتمالات الانفصال أو الطلاق نتيجة عدم الانسجام النفسي والعاطفي. فعدم النضج الكافي يؤدي إلى عجز عن إدارة الخلافات بشكل صحي، وعليه تتولّد سلسلة من المشكلات التي قد تنتهي بتفكّك الأسرة. وبينما تبدو هذه التحديات قائمة في جميع الزيجات، إلا أنها تكون أشد وطأة عندما يتم الزواج قبل اكتمال النضج النفسي.

أضرار الزواج المبكر على الصحة الجسدية

لا تقتصر أضرار الزواج المبكر على الجانب النفسي فحسب، بل تمتد لتشمل الصحة الجسدية، لاسيما بالنسبة للفتيات اللواتي لم تكتمل أجسادهن بصورة تضمن لهن حملاً صحياً ومتكاملاً. فقد ينتج عن زواج الفتاة في سن مبكرة مضاعفات صحية متعدّدة في حالة الحمل والإنجاب، نظراً لعدم جاهزية الجسم لتحمّل التغيرات الهرمونية والضغط الجسدي الكبير الذي يُصاحب مراحل الحمل والولادة. هذا الوضع قد يفاقم حالات فقر الدم وسوء التغذية، ويزيد من احتمالية الولادة المبكرة أو الولادة القيصرية الطارئة، ما قد يُعرض الأم والجنين لمخاطر جسيمة.

بالإضافة إلى ذلك، قد تعانين أنت إن كنتِ متزوجة في سن صغيرة من التعب والإرهاق المتواصل نتيجة المسؤوليات المنزلية ورعاية الأطفال وأعباء الحياة اليومية. إن الجسم في مرحلة المراهقة يكون في طور النمو المستمر، مما يعني أنّ متطلباته الغذائية والبدنية لم تكتمل بعد. وعند تحمّلكِ مسؤولية الحمل والولادة في وقت مبكر، يصبح من الصعب تلبية احتياجاتكِ الذاتية واحتياجات الجنين معاً، لذا قد تتعرّضين لمشكلات صحية طويلة الأمد.

ويزداد خطر تكرار الحمل والولادة على نحو متقارب بفعل الجهل بأساليب تنظيم الأسرة، أو بسبب ضغوط اجتماعية تدفع إلى كثرة الإنجاب لتحقيق رغبة العائلة في تكوين أسرة كبيرة. هذه المتطلبات المتتالية تُسهم في إنهاك الجسم وتزيد من احتمالية التعرض لأمراض ومضاعفات ما بعد الولادة، وتعيق الأم عن ممارسة حياتها بصورة طبيعية. كما أنّ الإنهاك الجسدي المستمر ينعكس سلباً على الصحة النفسية، مما قد يعمّق مشكلة الشعور بالتعب والاكتئاب.

من جهة أخرى، قد يُحدُّ الزواج المبكر من قدرة الفتاة أو الفتى على المشاركة في الأنشطة الرياضية والترفيهية الملائمة للمرحلة العمرية، مثل الخروج مع الأصدقاء أو ممارسة الهوايات، نظراً لانشغالهم بمتطلبات الحياة الزوجية. ويؤدي هذا الحرمان من الأنشطة المناسبة للعمر إلى تراجع المستوى العام للياقة البدنية، وقد يُضعف قوة التحمل، ما يشكل عبئاً صحياً إضافياً مستقبلاً. إن الزواج في سن مبكرة يُحمّل الجسد فوق طاقته الطبيعية، ويعيق استكمال نموه وتطوّره بطريقة متوازنة وصحية.

أضرار الزواج المبكر على العلاقات الاجتماعية

إنّ العلاقات الاجتماعية لأي شخص تتشكّل عادةً في سنوات النمو والشباب، حيث تكون صداقات المدرسة والجامعة هي الخيط الرفيع الذي يربطك بشبكات التواصل الأولى في حياتك. غير أنّ ما يُسمّى أضرار الزواج المبكر يبدأ بالظهور عندما تجد نفسك محصوراً في إطار الحياة الزوجية، وتبدأ علاقاتك الاجتماعية بالتقلص التدريجي. ففي مرحلة ما بعد الزواج المبكر، قد يكون لديك وقت ضئيل للقاء الأصدقاء أو المشاركة في المناسبات الاجتماعية، مما قد يؤدي إلى فقدان الشعور بالدعم الخارجي الذي يعدّ عاملاً مهماً لتحقيق التوازن النفسي.

من جانب آخر، يشعر البعض بالحرج أو الانعزال لأنهم يمرّون بتجارب قد تبدو سابقة لأوانها مقارنةً بأقرانهم الذين ما زالوا يدرسون أو يتطلّعون لبدء حياة مهنية. وهذا الاختلاف في نمط الحياة قد يولّد فجوة في التواصل بينك وبين أصدقائك، حيث تتباين اهتماماتك ومسؤولياتك عن اهتماماتهم. قد يؤدي هذا لاحقاً إلى الشعور بالوحدة أو عدم الانسجام مع المجموعة العمرية التي تتواجد فيها.

كما قد تطرأ مشكلات في العلاقة مع الأسرة الممتدة، لأن الأهل والأقارب قد ينقسمون في آرائهم حول الزواج المبكر ونتائجه. بعضهم قد يدعم القرار على أساس المعتقدات والعادات المتوارثة، والبعض الآخر قد يُبدي قلقه إزاء الأضرار المحتملة. في كل الأحوال، يظل الصراع الأسري قائماً، وقد يُلقي بثقله على الطرفين الشابين، فيجدان نفسيهما في مواقف محرجة تتطلّب تبرير قراراتهما ودفاعاً مستمراً عن اختياراتهما.

علاوة على ذلك، يميل أفراد المجتمع في بعض الثقافات إلى التمييز السلبي أو الانتقاد الشديد للفتاة التي تتزوّج مبكراً إذا واجهت مشكلات زوجية لاحقاً، فتُلقى عليها اللائمة بحجة أنها “لم تكن ناضجة بما يكفي” أو أنها اتخذت القرار الخطأ. قد يخلق هذا النقد مزيجاً من الضغط النفسي والعزلة الاجتماعية، ويمنع من بناء شبكة اجتماعية صحية تدعمك في مواجهة تحديات الحياة.

أضرار الزواج المبكر: التحديات الاقتصادية

عندما يُبنى الزواج على قاعدة ضعيفة من الناحية الاقتصادية، تكون النتائج أكثر إيلاماً. ومن أبرز أضرار الزواج المبكر عجز الزوجين عن توفير متطلبات الحياة الكريمة لكليهما. فالدخول في علاقة زوجية في عمر مبكر يعني غالباً الانقطاع عن الدراسة أو عدم استكمالها بمستوى عالٍ، ما يقلل من الفرص المهنية ويؤدي إلى محدودية الدخل. وربما يجد الزوج نفسه مضطراً للعمل في وظائف متدنية الأجر أو غير مستقرة، وهو الأمر الذي قد يعرّض الأسرة لمواجهة صعوبات مالية مستمرة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الفتاة التي تتزوّج مبكراً قد تحرم نفسها من فرصة بناء مسار وظيفي ناجح، حيث تكون ملتزمة بأعباء الأسرة وتربية الأطفال في فترة كانت تستطيع فيها تطوير قدراتها المهنية. إذا كنتِ تفكرين في فرص العمل بعد الزواج المبكر، فقد تجدين نفسك أمام تحديات كبيرة تتعلّق بتنسيق الوقت بين مسؤوليات المنزل والعمل، إلى جانب نقص الدعم المجتمعي في كثير من الأحيان.

كما أن الضغط الاقتصادي ينعكس بصورة مباشرة على استقرار الأسرة نفسها. فقد تزداد الخلافات بينك وبين شريكك إذا وجدتما صعوبة في تلبية المتطلبات المعيشية، مثل مصاريف السكن والطعام والرعاية الطبية. ومع ضيق الموارد، قد لا تتمكن الأسرة من توفير فرص تعليمية أو صحية جيدة للأطفال، ما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الفقر وضيق الحال الاقتصادي الذي يتوارثه الأبناء.

لا يقتصر الأمر على الوضع المالي المباشر للأسرة، بل قد تمتد تأثيراته على خطط الادخار والاستثمار المستقبلي، إذ يكون من الصعب وضع خطة طويلة الأمد في ظل ضغوط الحاضر. ومع كل هذه العوائق، يجد الزوجان نفسيهما في موقف صعب أمام متطلبات الحياة وأمام طموحات تتقلّص مع مرور الزمن. هذا التحدي الاقتصادي يصبح عبئاً إضافياً يضاف إلى لائحة أضرار الزواج المبكر ويقوّض فرص العيش باستقرار مادي يسمح للزوجين بتحقيق التنمية الذاتية.

أضرار الزواج المبكر في تربية الأطفال

ربما تكون من أكثر أضرار الزواج المبكر وضوحاً هي صعوبة تربية الأطفال في ظل نقص الخبرة والنضج العاطفي. إن تربية الأبناء تتطلب معرفة معمّقة بطرق التعامل مع المراحل العمرية المختلفة واحتياجاتها النفسية والذهنية. ولكن عندما يبدأ الزوجان حياتهما الزوجية وهما لم يكتسبا بعد المهارات الأساسية للتواصل الفعّال ولا يملكان رؤية واضحة لتربية الطفل، تتولّد فجوة في الرعاية والتعليم والاهتمام، وقد يؤثر ذلك على نشأة الأبناء وسلوكياتهم مستقبلاً.

بالإضافة إلى هذا، فإن وجود أبناء في سن صغيرة يزيد من ضغوط الحياة اليومية؛ إذ يجب عليك توفير الرعاية الطبية، والتنشئة السليمة، ومتابعة الأداء الدراسي، وفي الوقت نفسه الوفاء بالتزامات أخرى مثل العمل أو الدراسة إن أمكن. يتضاعف هذا العبء على الزوجين الشابين اللذين قد لا تتوفر لديهما المقومات الاقتصادية الكافية أو الدعم العائلي المستمر، ما ينعكس سلباً على صحة الطفل الجسدية والنفسية.

كما أنّ غياب الوعي بأساليب التربية الحديثة قد يوقع الزوجين في أساليب خاطئة عند التعامل مع الطفل، مثل الإفراط في الحماية أو القسوة أو الإهمال. يُعزّز هذا النهج السلبي تنامي مشكلات سلوكية لدى الأبناء، مثل العدوانية أو الانطواء أو ضعف الثقة بالنفس. وتشير العديد من الدراسات إلى ارتباط الأساليب التربوية الخاطئة بنشوء اضطرابات في شخصية الأبناء وقدرتهم على التكيّف مع المواقف المختلفة.

إنّ البيئة الأسرية هي أول مدرسة يتعلّم فيها الطفل مهارات الحياة، وعندما تكون هذه المدرسة قائمة على أساس هشّ من النضج والمسؤولية، فإن احتمالية الخلل في التنشئة تزداد. إنك كأب أو كأم قد تكون في أمسّ الحاجة إلى التوجيه من قبل من هم أكبر سنّاً وأكثر خبرة، لكن الزواج المبكر قد يحرمك من هذه الفرصة بسبب سرعة الانتقال من دور الشاب أو الشابة المراهقة إلى دور الوالدية المتكاملة، وهو ما يُشكل تحدياً كبيراً في توفير الاستقرار النفسي والتربوي للأطفال.

أضرار الزواج المبكر على مستقبل التعليم والعمل

عندما يُتخذ قرار الزواج في سن مبكرة، فإن أحد أهم أضرار الزواج المبكر هو التوقف المبكر عن التعليم أو عدم استكماله بمستوى يكفل للشخص تحقيق طموحاته. فبعد الزواج، قد تتعاظم الأعباء الأسرية التي تؤدي إلى عدم القدرة على التفرّغ للدراسة؛ فيختار بعض الأزواج إنهاء رحلتهم التعليمية عند المرحلة الثانوية أو حتى قبل ذلك. وتترتب على هذه الخطوة عواقب بعيدة المدى، لأن الشهادة العلمية تُعَد بوابة أساسية لدخول سوق العمل بشروط أفضل.

إذا وجدت نفسك مسؤولاً عن أسرة وأطفال، فقد تضطر لتأجيل خطط التعليم الجامعي أو إلغائها كلياً بحثاً عن وظيفة سريعة لتوفير احتياجات المنزل. وفي حال التحقت بالفعل بالعمل، فقد تواجه ضغوطاً تمنعك من تطوير مهاراتك أو الحصول على ترقية، لأنك لا تمتلك المؤهلات الكافية. يتسبب هذا في ركود وظيفي قد يستمر سنوات طويلة، ما يخلق حاجزاً أمام تقدّمك المهني والمالي.

من جانب آخر، يمكن أن يؤدي الزواج المبكر إلى تجاهل الفرص التدريبية وبرامج التطوير المهني التي قد تُعرض عليك أثناء مرحلة الشباب، إذ ينصبّ تركيزك على تلبية متطلبات الحياة الأسرية. فحتى لو وُجِدت الرغبة في تنمية نفسك مهنياً، فإن ضغوط العمل والمنزل قد لا تسمح لك بالموازنة بين التعليم المستمر والالتزامات اليومية.

أما الفتاة المتزوجة في سن صغيرة، فغالباً ما تزداد أمامها العراقيل في سوق العمل، خاصةً إن كانت المجتمعات التي تعيش فيها تفرض قيوداً على المرأة المتزوجة أو تنظر إليها على أنها أقل أولوية في التدريب والتوظيف. إذ قد يفضل أصحاب العمل توظيف الأفراد الأكثر تفرغاً والأقل تحمّلاً للمسؤوليات العائلية، ما يضع المرأة المتزوجة مبكراً في دائرة محدودة من الخيارات وفرص الترقّي. بالتالي، يستمر الأثر السلبي للزواج المبكر في ظل صعوبة الوصول إلى وظائف تضمن الأمان المادي والمهني.

أضرار الزواج المبكر على تقدم المجتمعات

لا تقتصر أضرار الزواج المبكر على المستوى الفردي أو العائلي فقط؛ فهي تمتد لتشمل تأثيراً سلبياً واضحاً على تقدّم المجتمعات. عندما تُضيِّع أجيالٌ كاملة فرص التعليم والتطوير المهني، تنعكس هذه الخسارة على الأداء الاقتصادي للدولة برمّتها. فالعمالة غير الماهرة أو محدودة التعليم لا تتمكّن من الإسهام في رفع الإنتاجية واستقطاب الاستثمارات، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى التنافسية الاقتصادية في المجتمع.

كما يُسهم الزواج المبكر في تعزيز الفجوات بين فئات المجتمع، إذ قد ينتج عنه ارتفاع معدلات الأمية وضعف الوعي الصحي والاجتماعي. وعندما تتراكم هذه المؤشرات السلبية، يصبح المجتمع أكثر عرضة للتحديات مثل البطالة والفقر والاعتماد الكبير على المساعدات الحكومية. إضافةً إلى ذلك، فإن الأجيال الناشئة في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية هشّة قد تجد صعوبة في تحقيق الاستقرار الأسري وتكرار الحلَقات السلبية نفسها.

من الزاوية الثقافية، قد ترسّخ العادات والتقاليد السائدة مفهوم الزواج المبكر بوصفه الطريق الوحيد لضمان “الشرف” أو “استقرار” الفتاة، ما يؤدي إلى استمرار الظاهرة عبر الأجيال. ويؤثر هذا المنظور على نظرة المجتمع لدور المرأة وقدرتها على التعلّم والعمل؛ فتضعف بالتالي المشاركة الفاعلة للمرأة في سوق العمل والتنمية الاجتماعية، مما يُفقد المجتمعات موارد بشرية هائلة كانت قادرة على الإبداع والابتكار.

ومع استمرار هذه الحلقة، يقلّ وعي الأفراد بقضايا النهوض المجتمعي ويزداد اعتمادهم على الممارسات التقليدية. لذلك، فإن أي مجتمع يسعى إلى تحقيق طموحات اقتصادية وعلمية وثقافية ينبغي له العمل بجدية للحد من هذه الظاهرة، وتوفير الفرص التعليمية والتوعوية للفتيات والفتيان على حدّ سواء. إن بلوغ مستقبل مُشرق للمجتمع رهينٌ بتبني سياسات فعّالة تحارب الزواج المبكر وتدعم التعليم وتطوير المهارات.

كيفية الحد من أضرار الزواج المبكر

إذا كنت تتساءل عن الحلول الممكنة للحد من أضرار الزواج المبكر، فابدأ بإدراك أن هذه القضية لا تقتصر على الأسرة فقط، بل هي شأن مجتمعي واقتصادي أيضاً. تستطيع الحكومات والمنظمات المجتمعية لعب دور محوري عبر وضع تشريعات صارمة تفرض حدّاً أدنى للسن القانونية للزواج، وتجعل من إكمال المراحل الدراسية أمراً إلزامياً. فكلما توفرت للفتيات والفتيان فرصة أكبر للتعلم، ازدادت قدراتهم على اتّخاذ قرارات واعية ومستنيرة بشأن حياتهم الزوجية.

يُمكن للتوعية الأسرية والمجتمعية أن تفعل الكثير أيضاً، وذلك من خلال نشر الوعي حول سلبيات الزواج المبكر ونتائجه بعيدة المدى على الأفراد والمجتمع. قد يتم هذا عبر تنظيم ورش عمل وندوات تثقيفية في المدارس والجامعات والمراكز الثقافية، تُشرف عليها جهات متخصّصة تشرح المخاطر النفسية والصحية والاقتصادية التي يتعرّض لها الأزواج الصغار. هذا الجانب التوعوي يمكّنك من فهم الخيارات المتاحة أمامك قبل أن تُقدم على خطوة الزواج.

كما يُعدّ الدعم العائلي عنصراً جوهرياً في تقليل أضرار الزواج المبكر. فالآباء والأمهات الذين يشجعون أبناءهم وبناتهم على استكمال تعليمهم، ويمنحونهم المساحة الكافية لاكتشاف ذاتهم وقدراتهم، يضعون أساساً متيناً يمنعهم من الاندفاع نحو الزواج في فترة مبكرة. علاوةً على ذلك، يساهم توفير المشورة الأسرية في حال حدوث نزاعات أو ضغوط داخل الأسرة في الحد من تفاقم المشكلات التي قد تؤدي إلى زواج مبكر غير مُدروس.

ومن زاوية أخرى، ينبغي للمؤسسات غير الحكومية والمبادرات الأهلية تعزيز فرص التدريب المهني للشباب والشابات، بحيث يتمكنون من الحصول على دخل جيد وتحقيق استقلال مادي قبل اتخاذ قرار الزواج. عندما يشعر الفرد بأنه يمتلك القدرة على توفير احتياجاته الأساسية، يصبح أقدر على تقرير توقيت الزواج المناسب. هذا يخفف من تحكم العادات الاجتماعية التي تفرض أحياناً الزواج المبكر كحل للفقر أو لتحقيق الاستقرار.

ختاماً، تبقى أضرار الزواج المبكر قضية يجب أن تؤخذ بجدية إذا كان الهدف هو بناء مجتمع متوازن ومستقر. فالتوعية والتشريعات وتمكين الشباب عبر التعليم والعمل ليست سوى خطوات رئيسية في طريق طويل يستدعي تكاتف الأسر والمؤسسات الحكومية والمدنية. كلما زادت جهود التوعية والدعم والتثقيف، انخفضت نسب الزواج المبكر، وازدادت فرص تكوين أجيال أكثر وعياً ونضجاً، قادرة على الإسهام في النهوض بالمجتمع نحو مستقبل أفضل.

إسمي فاطمة العتيبي، حاصلة على الدكتوراه في الصيدلة، أعمل كصيدلانية مسؤولة ولدي العديد من الأبحاث العلمية في مجال الصيدلة. أيضًا، أنا مصورة ومهتمة بالمعرفة بجميع أشكالها. شغوفة باللغة العربية ومهتمة بإثراء المحتوى العربي.

السابق
أهمية الشباب في المجتمع
التالي
ما هي الجمعية

Advertisement