متفرقات

بين الصالحات والناشزات: أسس الاستقرار الأسري وأسباب التفكك الزوجي

Advertisement

بين الصالحات والناشزات

أقام الله سبحانه وتعالى نظام الأسرة على أسس من المودة والرحمة، وخص العلاقة الزوجية بجعلها أساسًا لبناء مجتمع سليم ومستقر. يقول سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]. ومن هنا يظهر أن استقرار الأسرة لا يعتمد على الحب فقط، بل يتطلب الالتزام بالحقوق والواجبات التي أوجبها الله لكل من الزوج والزوجة.

الأسرة: ميدان الواجبات والحقوق

لضمان استقرار الأسرة وسلامتها، وضّح الله سبحانه وتعالى في شرعه الحكيم حقوق وواجبات كل طرف. إذا التزم الرجل والمرأة بما أوجبه الله عليهما، أصبحت الأسرة سعيدة ومستقرة، وسادها جو من الألفة والطمأنينة. أما إذا قصّر أي من الطرفين، فإن النتيجة الحتمية هي الفوضى، والمشاكل، والهموم، بل وقد يصل الأمر إلى الانفصال والتفكك.

واجبات الزوج

الزوج هو عماد الأسرة، وله دور أساسي يتمثل في الإنفاق على زوجته وأولاده، مهما كانت ظروفه المادية. يقول سبحانه وتعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233]. وأوضح الشرع أن النفقة يجب أن تكون بقدر استطاعته، فلا يجوز للغني أن يبخل ولا للفقراء أن يُكلَّفوا ما لا يطيقون. يقول سبحانه وتعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7].

حقوق الزوجة

مقابل واجبات الزوج في الإنفاق، أوجب الله حق القوامة له. يقول سبحانه وتعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34]. وهذه القوامة لا تعني التسلط أو الظلم، بل هي مسؤولية على الزوج لضمان إدارة الأسرة بحكمة وعدل.

المرأة الصالحة تدرك أهمية طاعة زوجها في غير معصية الله، وتحفظه في نفسها وماله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا نظر إليها سرَّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته.” [رواه أبو داود].

الصالحات والناشزات

يُطلق وصف الصالحات على النساء اللواتي يلتزمن بتعاليم الدين ويؤدين حقوق أزواجهن كما أمر الله. يقول سبحانه وتعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34]. وهن اللاتي يبذلن جهدًا للحفاظ على استقرار الأسرة من خلال الطاعة والاحترام.

أما الناشزات، فهن النساء اللواتي يتمردن على أزواجهن ويقصّرن في أداء واجباتهن. وبيّن الله عز وجل كيفية التعامل معهن بقوله: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء:34].

كيفية معالجة النشوز

  1. الوعظ:
    أول خطوة في معالجة النشوز هي النصح والتذكير بحقوق الزوج وأهمية طاعته في المعروف. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك.” [رواه أحمد].
  2. الهجر في المضجع:
    إذا لم يُجدِ الوعظ نفعًا، يُنتقل إلى الهجر في المضجع. يقول العلماء: الهجر يعني الابتعاد عن الفراش أو الامتناع عن الكلام معها، مع الحرص على أن يكون الهدف الإصلاح وليس الإضرار.
  3. الضرب غير المبرح:
    إذا استمر النشوز، يُسمح للزوج باللجوء إلى الضرب غير المبرح كوسيلة تأديب، شريطة أن يكون ضربًا خفيفًا لا يسبب أذى جسديًا أو نفسيًا.
  4. التحكيم بين الطرفين:
    إذا لم تُجدِ الوسائل السابقة نفعًا، يكون الحل الأخير هو التحكيم بين الزوجين. قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء:35].

أثر التربية على استقرار الأسرة

تُعتبر التربية السليمة للبنات العامل الأساسي لضمان استقرار الحياة الزوجية. فالمرأة التي نشأت على احترام الزوج وتقدير حقوقه تسهم في بناء أسرة متماسكة. وتأتي وصايا الأمهات لبناتهن، مثل وصية أمامة بنت الحارث، لتؤكد على أهمية الطاعة وحسن العشرة.

وصايا خالدة لاستمرار الحياة الزوجية

  • التفاهم والاحترام:
    أساس كل علاقة زوجية ناجحة هو التفاهم المتبادل والاحترام. على الزوجين أن يعملا على حل خلافاتهما بروية وهدوء.
  • التربية السليمة:
    يجب على الآباء والأمهات تربية أبنائهم على فهم حقوق وواجبات كل طرف في الزواج.
  • الالتزام بالشرع:
    الالتزام بما أمر الله يضمن استقرار الأسرة وسلامتها من الفوضى والتفكك.

خاتمة

العلاقة بين الصالحات والناشزات ليست مجرد علاقة بين طاعتين مختلفتين، بل هي انعكاس لأثر الالتزام بالدين على استقرار الأسرة والمجتمع. الالتزام بتعاليم الشرع، وحسن العشرة، والاحترام المتبادل بين الزوجين هي مفتاح السعادة الزوجية. الأسرة المستقرة تُبنى على العطاء المتبادل والتفاهم، وهو ما يدعو إليه الإسلام في كل تعاليمه، للحفاظ على استقرار المجتمع وسعادة الأفراد.

إسمي فاطمة العتيبي، حاصلة على الدكتوراه في الصيدلة، أعمل كصيدلانية مسؤولة ولدي العديد من الأبحاث العلمية في مجال الصيدلة. أيضًا، أنا مصورة ومهتمة بالمعرفة بجميع أشكالها. شغوفة باللغة العربية ومهتمة بإثراء المحتوى العربي.

السابق
تفسير حلم القمل في الشعر
التالي
بحث حول الملك محمد السادس

Advertisement